وصدق ظن شعبان فالخناقة فعلا كانت مع امرأته, وكانت واقفة لاحول لها ولا قوة كما توقع وامرأة إبراهيم قد وقفت فى بلكونتهم وصوتها يجيب التائهين. والناس تتفرج بكل قحة, وهى لا تترك شاردة ولا واردة إلا قالتها.
وقف الرجل يتسمع عله يعثر على سبب للخناقة أو يرى إلى أى حد وصل النزاع, ولكنه ما كاد يتوقف حتى فار الدم فى رأسه, كانت المسألة قد...
قراءة الكل
وصدق ظن شعبان فالخناقة فعلا كانت مع امرأته, وكانت واقفة لاحول لها ولا قوة كما توقع وامرأة إبراهيم قد وقفت فى بلكونتهم وصوتها يجيب التائهين. والناس تتفرج بكل قحة, وهى لا تترك شاردة ولا واردة إلا قالتها.
وقف الرجل يتسمع عله يعثر على سبب للخناقة أو يرى إلى أى حد وصل النزاع, ولكنه ما كاد يتوقف حتى فار الدم فى رأسه, كانت المسألة قد وصلته هو شخصيا وأتت على رجولته ثم تعدته إلى أبيه وأمه وذقون أجداداه أجمعين.
ودق الباب كثيرا قبل أن تفتح فهيمة امرأته. وامرأته سمعها ثقيل وبابهم أصم ولهذا طال دقه. ثم انفتح الباب وما إن رأته فهيمة حتى شهقت وبكت وأمطرت فى الحال دمعا! وكاد يرفع يده ويرنها قلما وهو حانق على خيبتها وقله محصولها من طول اللسان, ولكنه تردد, فلابد للخناقة من سبب ولابد أن يعرف السبب.
وزعق زعيقا هائلا يسأل عن السبب. واعتدلت امرأته واختفت دموعها فجأة كما بدأت وقالت:
ابنك انقتل!
وأشارت إلى الكنبة. وسقط قلب شعبان بين قدميه وكاد هو نفسه يسقط على الأرض مغشيا لولا أنه حدق فى الكنبة.. كان أبنه جالسا القرفصاء فوقها ورأسه معصوبا بمنديل, وعلى المنديل بقعة دم كبيرة, وفى وجهه خرابيش, وفى عينيه نظرة فأر وقع فى المصيدة.. ولم يكن مقتولا على أية حال
وماكاد الولد يرى أباه ينظر ناحيته حتى تولاه رعب هائل وبكى بصوت عال وقال:
أنا مالى؟..هه ..هو اللى ضربنى الأول..هه..
وملأ شعبان صدره بالهواء بقوة محاولا كتم غيظه, ولو لم يخرج الهواء ويتنهد لانفجر. القضية كانت قد بدأت تتجسد أمام عينيه, فلابد أن واحدا من أولاد إبراهيم أفندى هو الذى ضربه وإبراهيم أفندى له ثمانية أولاد, ولابد أن الضارب هو الولد الرفيع مثل عود القصب الذى يجرى طوال النهار ببنطلون أصفر قصير وسيقان جافة.. وهو لن يستحمل منه خبطة ولا لكمة. ولكن هل يمد يده على طفل؟ ثم كيف لم يغلبه ابنه الخائب مثل أمه؟ ابنه صحيح أصغر منه فى السن وادق منه فى العود, ولكن كيف يغلب أى ابن فى الدنيا ابنه؟ وكيف يجرحه ويبطحه؟